استدعاء ولي التلميذ بين سوء الفهم والحكمة التربوية
في زمنٍ تتقاطع فيه المسؤوليات وتتشابك الأدوار بين الأسرة والمدرسة، يغدو استدعاء الولي إلى المؤسسة التربوية حدثًا ذا أبعادٍ تتجاوز الإجراء الإداري البسيط. إنه لحظة صادقة للتأمل والمراجعة، لا مناسبة للخصومة أو الدفاع الأعمى.
كثيرٌ من الأولياء – بدافع العاطفة أو بدافع الحماية – يخطئون في قراءة هذه الإشارة التربوية، فيظنون أن الاستدعاء إهانة أو انتقاص من مكانتهم أو من تربية أبنائهم. والحقيقة أنّه رسالة عميقة مفادها: ابنكم في حاجة إليكم، فتعالوا نكمل ما بدأناه معًا.
الاستدعاء ليس عقوبة... بل إنذار نبيل
حين يوجَّه النداء إلى وليّ التلميذ، فذلك لأن الطفل تجاوز حدود النظام أو أخلّ بسلوكٍ تربوي، وهو ما يستدعي تدخّل الأسرة لتقويم المسار قبل أن تتسع الهوّة. إنها وقفة إصلاح لا موقف إدانة، وفرصة إنقاذ لا ورقة شكوى.
المربي لا يسعى إلى التشهير، بل إلى التنبيه؛ لا يريد العقاب، بل الإصلاح؛ لأن هدفه الأسمى هو أن يرى تلميذه مستقيمًا في دربه، متوازنًا في أخلاقه، ناجحًا في تعلّمه.
حين تغلب العاطفةُ البصيرةَ
يؤسفنا أن بعض الأولياء – وهم يحملون نوايا طيبة – يصدّقون أبناءهم بلا تمحيص، ويشكّون في المعلم الذي أفنى عمره في خدمة التربية. فيتحوّل اللقاء الذي وُجد للإصلاح إلى مواجهةٍ قائمة على سوء الظن، فيضيع الهدف التربوي، ويُترك الابن دون تقويمٍ حقيقي.
إن الثقة بالمربي ليست انحيازًا ضد الابن، بل حماية له، فالمربي يرى ما لا يراه الوالد في المدرسة، ويقوّم السلوك حين يكون الخطأ في بدايته.
شراكة لا خصومة
التربية مسؤولية جماعية يشترك فيها البيت والمدرسة والمجتمع. وكلما ازداد التعاون بين المربي والولي، قلّت الأخطاء وتعمّقت الثقة. فاستدعاء الولي هو جسر تواصل، لا حلبة صراع؛ ودعوة للمشاركة، لا استفزاز للمشاعر.
وإن غابت روح الشراكة، تحوّلت المدرسة إلى ساحة للتبرير، والأسرة إلى محامٍ دائمٍ عن الأخطاء.
نحو ثقافة جديدة في التعامل مع المدرسة
حان الوقت لنرسّخ في وعينا الجمعي أن المدرسة ليست خصمًا، بل حليفًا في تربية الأبناء.
أن يُستدعى الولي، يعني أن هناك من يهتم بابنه، ومن يسهر على تقويمه قبل أن ينحرف السلوك أو تضيع القيم. فليكن اللقاء بين المربي والولي مقامَ صدقٍ ومسؤولية، لا سجالًا ولا اتهامًا.
 
